ارتفاع الحرارة عند الرضع

ارتفاع درجة الحرارة عند الرضع: الأسباب، الأعراض، المضاعفات والعلاج الشامل

يُعد ارتفاع درجة الحرارة عند الرضع من أكثر الحالات الصحية شيوعًا والتي تثير قلق الأهل، إذ يعتبر الرضيع أكثر عرضة للتأثر بالتغيرات الفسيولوجية والمناعية مقارنة بالأطفال الأكبر سنًا أو البالغين. إن التعامل مع الحمى عند الرضيع يتطلب دقة في التقييم وسرعة في التدخل، نظرًا لارتباطها بأمراض قد تكون بسيطة أو شديدة الخطورة. تتناول هذه المقالة الموسعة الأسباب المحتملة لارتفاع الحرارة عند الرضع، العلامات المصاحبة، طرق القياس الدقيقة، المؤشرات التي تستدعي التدخل الطبي، والإرشادات العلاجية المبنية على أحدث التوصيات الطبية.

تعريف الحمى عند الرضع

يُعرَّف ارتفاع درجة حرارة الجسم (الحمى) لدى الرضيع بأنه ارتفاع درجة حرارة الجسم الأساسية إلى أكثر من 38 درجة مئوية (100.4 فهرنهايت) عند القياس عبر المستقيم، وهي الطريقة الأدق والأكثر توصية في هذه الفئة العمرية. تختلف طرق قياس الحرارة باختلاف العمر والطريقة المستخدمة، إلا أن أي درجة تفوق هذا الحد تعتبر مؤشرًا على وجود استجابة التهابية أو مرضية في الجسم.

الأسباب الشائعة لارتفاع الحرارة عند الرضع

تتنوع الأسباب التي قد تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الرضيع، ويمكن تصنيفها إلى أسباب معدية وغير معدية، منها:

أولاً: الأسباب المعدية

1. العدوى الفيروسية
   
   تشكل النسبة الأكبر من حالات الحمى عند الرضع، وغالبًا ما تكون حميدة وتزول تلقائيًا، مثل:

   • نزلات البرد

   • الإنفلونزا

   • فيروس الروتا (Rotavirus)

   • الفيروس المخلوي التنفسي (RSV)

   • فيروس الهربس البسيط (Herpes simplex) عند حديثي الولادة

2. العدوى البكتيرية
   
   وهي أقل شيوعًا لكنها أكثر خطورة، وتشمل:

   • التهاب المسالك البولية

   • التهاب السحايا

   • الالتهاب الرئوي

   • التهاب الدم (Sepsis)

   • التهاب الأذن الوسطى

3. عدوى ما حول الولادة (Neonatal infections)
   
   تظهر خلال الأيام الأولى بعد الولادة نتيجة انتقال الجراثيم أثناء الولادة، وقد تكون خطيرة جدًا.

ثانيًا: الأسباب غير المعدية

1. التسنين
   
   غالبًا ما يسبب ارتفاعًا طفيفًا في الحرارة لا يتجاوز 38.3 م° ولا يصاحبه أعراض شديدة.

2. اللقاحات
   
   قد يؤدي التطعيم إلى ارتفاع مؤقت في درجة الحرارة خلال 24 إلى 48 ساعة بعد التطعيم.

3. فرط التدفئة أو الملابس الزائدة
   
   قد يؤدي الإكثار من تغطية الرضيع أو تعرضه لجو حار إلى ارتفاع حرارته.

4. أسباب التهابية أو مناعية نادرة
   
   مثل بعض أنواع الالتهابات الجهازية أو أمراض المناعة الذاتية.

الأعراض والعلامات المصاحبة لارتفاع الحرارة

يجب عدم الاكتفاء بدرجة الحرارة فقط بل مراقبة الأعراض المصاحبة، والتي قد تشير إلى شدة الحالة، ومن أبرزها:

• النعاس الزائد أو الخمول غير المعتاد

• صعوبة في الرضاعة أو رفض الرضاعة

• التنفس السريع أو الصعب

• البكاء المستمر أو الصوت المختلف للبكاء

• الشحوب أو ازرقاق الجلد

• تصلب الرقبة أو النوبات (التشنجات)

• ظهور طفح جلدي

• القيء أو الإسهال الشديد

• برودة الأطراف رغم ارتفاع حرارة الجذع

طرق قياس الحرارة الدقيقة عند الرضع

اختيار الطريقة المناسبة لقياس الحرارة يرتبط بعمر الطفل. الجدول التالي يوضح الطرق المعتمدة:

متى يكون ارتفاع الحرارة مقلقًا عند الرضيع؟

بعض الحالات تستدعي عناية طبية فورية:

• أي ارتفاع في الحرارة عند رضيع أقل من 3 أشهر (حتى لو بدون أعراض أخرى)

• حرارة مستمرة لأكثر من 48 ساعة عند الرضيع فوق 3 أشهر

• الحمى المصحوبة بنوبات تشنجية

• الحمى المصحوبة بطفح جلدي أو تغيرات سلوكية واضحة

• ضعف الرضاعة أو فقدان الوعي

• صعوبة شديدة في التنفس

تشخيص السبب الكامن وراء الحمى

يعتمد التشخيص على الفحص السريري، ونتائج التحاليل حسب العمر والأعراض. تشمل الفحوصات الممكنة:

• تحليل بول وزراعة البول

• تحليل دم شامل (CBC)

• مزرعة الدم

• فحص السائل الدماغي الشوكي عبر البزل القطني (في حالات الاشتباه بالتهاب السحايا)

• الأشعة الصدرية عند وجود أعراض تنفسية

• اختبار فيروس الروتا أو RSV

التوجهات الحديثة في علاج الحمى عند الرضع

العلاج لا يهدف فقط إلى خفض الحرارة بل إلى معالجة السبب الكامن. الإجراءات الأساسية تشمل:

1. خفض الحرارة عند اللزوم

• الباراسيتامول (Paracetamol): يُستخدم عند الرضع فوق 2 شهر بجرعة يحددها الطبيب.

• الإيبوبروفين: يمكن استخدامه بعد عمر 6 أشهر.

• تجنب الأسبرين منعًا لمتلازمة راي.

2. الترطيب والتغذية

• تقديم الرضاعة الطبيعية أو الحليب الصناعي بشكل متكرر.

• مراقبة علامات الجفاف: قلة التبول، جفاف الفم، بكاء بدون دموع.

3. الراحة وتعديل البيئة

• إبقاء الغرفة بدرجة حرارة معتدلة.

• تجنب تغطية الطفل بشكل مفرط.

• ارتداء ملابس قطنية خفيفة.

4. علاج السبب الأساسي

• المضادات الحيوية في حال العدوى البكتيرية المثبتة.

• المضادات الفيروسية عند الحاجة (مثل الأسيكلوفير في حالات الهربس).

• النقل إلى المستشفى إذا استدعت الحالة ذلك.

مضاعفات الحمى إذا لم تعالج بالشكل المناسب

• نوبات الحمى: تحدث غالبًا بين 6 أشهر و5 سنوات.

• الجفاف: نتيجة فقدان السوائل وقلة الرضاعة.

• الحمى الخبيثة أو الحرارية المفرطة: نادرة ولكنها خطيرة.

• انتقال العدوى إلى أعضاء أخرى مثل الكلى أو الدماغ.

• الإنتان (Sepsis) عند حديثي الولادة إذا لم يتم التشخيص المبكر.

الوقاية من ارتفاع الحرارة عند الرضع

1. الاهتمام بالنظافة الشخصية والبيئية
   
   غسل اليدين جيدًا قبل حمل الرضيع.

2. الرضاعة الطبيعية
   
   تعزز مناعة الرضيع ضد العدوى.

3. التطعيم المنتظم
   
   يقلل من خطر الإصابة بأمراض خطيرة.

4. تجنب التعرض للمرضى
   
   خاصة في الأشهر الأولى من العمر.

5. تنظيم حرارة البيئة المحيطة
   
   وتجنب التدفئة الزائدة.

الجدول التالي يوضح الفروقات بين الأسباب الفيروسية والبكتيرية لارتفاع الحرارة:

الخلاصة الطبية

إن ارتفاع درجة الحرارة عند الرضع يتطلب حذرًا بالغًا وفهمًا عميقًا لطبيعة الأسباب المحتملة وطرق التعامل معها. لا ينبغي تجاهل أي حالة حمى، خصوصًا في الأسابيع الأولى من العمر، حيث تكون المناعة غير مكتملة والاحتمالات المرضية أكثر تعقيدًا. الفحص الطبي المبكر، القياس الدقيق للحرارة، والاهتمام بالتغذية والترطيب عوامل جوهرية في رعاية الرضع عند الإصابة بالحمى. كما أن دور الأسرة في الوقاية من خلال النظافة، الرضاعة، والمتابعة الصحية يلعب دورًا حاسمًا في تقليل فرص الإصابة ومضاعفاتها.

المراجع:

1. American Academy of Pediatrics (AAP). “Evaluation and Management of Well-Appearing Febrile Infants 8 to 60 Days Old.” Pediatrics, 2021.

2. World Health Organization (WHO). “Fever in infants and children.” Clinical Guidelines, 2020.